أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

الملثمون الطوارق

الملثمون الطوارق 



مقــــــدمة:
الملثمون




الطوارق أو التوارق باستبدال الطاء تاء أو التواريك مع إشباع كسرة الراء وقلب القاف كافاً، وهم أقوام ذات أصول عريقة في الغابر القريب، ينتشرون حالياً في الصحراء الكبرى من ليبيا والجزائر وموريتانيا وتشاد والنيجر ومالي وينقسمون إلى العديد من القبائل.
وإختُلف في أصل هذه التسمية ففسرها بعضهم بسبب كونهم قد طرقوا الصحراء موطناً لهم.وفسرها البعض الآخر لافتخارهم بطارق بن زياد على أنهُ منهم.
((والطوارق هو الاسم الذي تطلقهُ الأمم على أهل الصحراء الكبرى، في حين لا يطلقهُ أهل الصحراء على أنفسهم، لأنهم، كأمم كثيرة، يطلقون على أنفسهم إسماً آخر مستعار من تراثهم وتأريخهم وتجربتهم ولغتهم...ومعناه الغريب أو النبيل أو الضائع 1))وذلك بسبب ظروبهم الصحراء المترامية الأطراف دون وجهة. ((ولا يعرف أصل لهذه الكلمة ولا كيف بدأ إستعمالها لتكون إسماً يطلق على الملثمين من سكان الصحراء الكبرى ويحتمل أن تكون هذه الكلمة قد اشتقت من أسم الوادي الذي تسكن فيه قبائل الملثمين القريبة من العواصم المغربية óوهو وادي درعة ó الواقع جنوب مراكش الذي يسمى بالطارقية (تاركا) ومعناه الوادي أو مجرى النهر...وجمعها توارك 2)).

أما عبد القادر جامي فيرى(( إن كلمة التوارق جمع لكلمة التارقي المفردة، ذلك لأن العرب أطلقوا عليهم أسم التوارق نسبة لقبيلة ( تارغا ) إحدى قبائل البربر القاطنة في الصحراء الممتدة من المحيط (الأطلسي) إلى غدامسó في القرن التاسع الهجري 3)).
وهناك تسميات أطلقت عليهم من قبل المؤرخين والجغرافيين مثل الصحراويين أو الملثمين والأولى بسبب تركهم المدن واستيطانهم الصحراء فيعرفون بأنهم ((المواطنون بالقفر وراء الرمال الصحراوية بالجنوب أبعدوا في المجالات هناك منذ دهور قبل الفتح لا يعرف أولها فأصحروا عن الأرياف ووجدوا بها المراد وهجروا التلول وجفوها وأعتاضوا عنها بألبان الأنعام ولحومها إنتباذاً عن العمران واستئناسا بالانفراد وتوحشاً بالعز عن الغلبة والقهر.... 4)).أما الملثمين فهي اشهر التسميات التي أطلقت عليهم من جميع من كان له اهتمام بتاريخ شمال إفريقيا فنجد هذه التسمية تذكر في دائرة المعارف وقد فسرت على أساس اللثام الموضوع على وجوه الطوارق فتصفهم:
((على رأسهم شاشية حمراء يلقون عليها عمامة صغيرة يتدلى من تحتها لثام أزرق إلى حد الفم ويضربون لثام آخر يغطي الأنف وينسدل على الصدر فلا يظهر من وجوههم شيء ومن ذلك سموا بالملثمين....5)).
وقسم يرى أن تلثمهم وجد لحماية جهازهم التنفسي من غبار الصحراء، وآخر أرجع السبب إلى إقتدائهم بأجدادهم باليمن ففي وصفهم يقال:((هم قومٌ يتلثمون ولا يكشفون وجوههم ولذلك سموهم بالملثمين وذلك سنة لهم يتوارثونها خلفٌ عن سلف. وسبب ذلك على ما قيل إن حِمْيَّرó كانت تتلثم لشدة الحر والبرد وتفعلهُ الخواص منهم فكثر ذلك حتى صار تفعلهُ عامتهم....6)) .وكذلك سموا بالصنهاجيين نسبة ًإلى قبيلة صنهاجة، وغيرها من التسميات التي وسمتهم حتى قيل فيهم :
إذا لُثِموا بالربطِ خِلتَ وجُوهَهُم                      أزاهيرَ تبدوا مِن فُتُوقِ كمائِمِ.


قد يعجبك ايضا

أصــــلهم:


 لو بحثنا في تأريخ الشمال الأفريقي فسنجد أن السمة المميزة لسكانها والأشهر بين سكانها الأصليين هم البربر. وإذا علمنا إن الطوارق لم تكن شمال أفريقيا وصحراءها موطناً جديداً عليهم بل هم وآبائهم أول من نزل بها فمن المؤكد أن لهم صلة أو علاقة قريبة مع البربر الذين هم أصل السكان.
ولو رجعنا قليلاً إلى أصل هؤلاء البربر، وتأريخهم استعراضاً فسنجده محل اختلاف هو الآخر لدى المؤرخين، فأغلب المؤرخين العرب يرون (( إن البربر قدموا من الجزيرة العربية، في زمن لا يقل عن ثلاثين قرناً ق.م، وأن الفينيقيين اختلطوا بالبربر على طول السواحل الأفريقية المغربية، في القرن الثاني عشر ق.م، ولما كان الفينيقيون عرباً من كنعان، فقد أختلطوا بالبربر الذين هم عرب من العاربة القحطانية 7)) .
ويقول الكاتب الفرنسي (فلوريان): ((التطابق الكامل بين العرب والبربر فيما يلي: أصل مشترك، لغة واحدة، عواطف واحدة، كل شيء يساهم في ربطها ربطاً متينا 8)).
ومن خلال هذين الرأيين واضح إن أصل البربر هو عربي من جزيرة العرب. ولكن هناك آراء أخرى تشكك في هذا الكلام وفي إن أصل البربر من الجزيرة العربية فقد فقسم يرجعهم كذلك إلى أوربا.
فنجد الدكتور (لوبلان) في بحثه المعنون (مشكلة البربر) يرى إنهم: ((الفرض المؤقت الذي يبدوا أجدر ما يكون بالثقة لأنه يستند إلى بعض الوقائع الراسخة هو أن نتاج ثبت منذ زمن بعيد يمكن إدراكه لدى بعض الجماعات الواضحة العرقية، نقول أنهم نتاج لتقاطع بين شعوب قادمة من أوربا آسيا في عصور مختلفة كل الاختلاف 9)).
أما المستشرق (س.جيزل) فيقول:
((الشيء المؤكد هو أن كلمة البربر وتطلق على جماعات مختلفة كل الاختلاف بخصائصها العرقية، وإن كانت اليوم متشابهة من حيث اللغة والأخلاق، ومن المستحيل أن نقر في نفس الأسرة العرقية ETHNIQUE مثل بربر إقليمي القبائل óوجبال أًُوراسóبين من قاماتهم متوسطة أو قصيرة، وجماجمهم طويلة، وبينهم عدد كبير من الشقر والكُهب، وبين أهل مزابó ذوي القامات القصيرة الغليظة، والجماجم العريضة، والشعور والعيون السود أو بينهم وبين الطوارق وهم طوال الجماجم, طوال القامة طوال الأطراف 10)).
أما الفرنسي غوستاف لوبون فأنه قد ذكر رأياً موزوناً عن الأمكنة التي قدموا منها البربر قال فيه ((والحق إن المهاجرين السود الشعور أتوا من شواطئ الفرات ومن شمال بلاد العرب، أو من مكان أبعد منها على ما يحتمل، وإن المهاجرين الشقر الشعور الزرق العيون أتوا من أوربا، ولاريب في مجيء هؤلاء من شمال أوربا مارين على الأرجح من أقصى طرف غربي بأفريقيا بدليل ما بين آثارهم الحجرية في أفريقيا وما بين الآثار الحجرية التي أُكتشفت في شمال أوربا من المطابقة 11)).
ولو أردنا أن نبين اختلاف أصل أقوام ما من خلال صفاتهم البشر، فلسوف لن نجد أصلاً واحد لأي من الأقوام.فالصفات الجسمانية تختلط فيما بينها وتكون صفات جديدة مختلفة, فلو أخذنا بأن أصول البربر من أوربا وبحثنا في التأريخ فلن نجد حضارة أخذت بالهجرة في تلك الحقبة جنوباً ,إنما الأقرب للواقع هو الهجرة غرباً ،فيقول الأستاذ عبد الرحمن باغي : ((علماء الجيولوجيا يعتبرون الجزيرة العربية أمتداداً طبيعياً لأفريقيا ، لا يفصلها عنها سوى منبطح وادي النيل ومنخفض البحر الأحمر 12 )).
ويقول المؤرخ الأمريكي (وليم لانغز) في تأريخهِ: ((وإذن فقد كان الاتجاه العام للحركة الحضارية من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، ولهذا كانت المناطق الجنوبية والشرقية في أي وقت مضى تتمتع بحضارات أكثر رقياً من حضارات المناطق الهامشية في الشمال الغربي 13)).
وهذا يؤكد صحة كون انتقال البربر من الجزيرة العربية إلى أفريقيا في تلك الفترة لعدم وجود عوارض لتلك الهجرة.
إن هذا الكلام لا ينفي وجود اختلاف في الأقوام التي شكلت البربر ولكن هذا الاختلاف لا يخرج عن كونه مشابه للاختلاف الموجود بين سكان جزيرة العرب شمالها وجنوبها، وما يؤكد هذا الكلام ما قاله أبن خلدون الذي يرى في البربر مايلي: ((البربر قبائل شتى من حمير ومضر ولقيط والعمالقة كنعان وقريش تلاقوا بالشام ولغطوا فسماهم إفريقش ó بالبربر لكثرة كلامهم.... 14)) .
ويختلف الكلبي مع بعض كلام أبن خلدون فيقول: ((إن كتامةó وصنهاجةó ليستا من قبائل البربر وإنما هما من الشعوب اليمانية تركهما إفريقش بن صيفي بأفريقية مع من نزل بها من حامية....15)).
ونجد أبن خلدون يستطرد كلامه عن البربر فقال فيهم: ((لاخلاف بين النسابة العرب إن شعوب البربر الذين قدمنا ذكرهم كلهم من البربر إلا صنهاجة وكتامة فأن من بين النسابة العرب خلافاً والمشهور أنهم من اليمنية 16)).
وفي توضيح لكلام الكلبي وأبن خلدون فالرأي إنهم عندما قسموا البربر إلى عرب وغير عرب ليس المعنى أنهم قد قالوا بعدم عروبة البربر وإنما قد فصلوا بين القبائل العربية التي كانت في الجزيرة العربية من حيث اللغة العربية التي كانت يلهجون بها من ناحية ومن حيث تأثير مناطق سكناهم على صفاتهم.
فسكان جنوب الجزيرة العربية اليمنية كانت لغتهم العربية هي الأفصح بين اللهجات العربية في جزيرة العرب وكذلك صفاتهم الجسمانية ولون بشرتهم هي الأقرب إلى صفات العرب الأوائل، أما الباقي من العرب والذين كانوا يسكنون بلاد الشام فقد تأثرت لهجتهم العربية وكذلك ألوان بشرتهم بسبب تمازجهم مع الأقوام الذين يقطنون شمال الجزيرة العربية من غير العرب وتأثروا كذلك بالبيئة الباردة نسبياً التي سكنوا فيها فكان هذا الاختلاف عن سكان الجنوب.
وكما ترى (مس سمبل) رائدة المدرسة البيئية أو الحتمية في كيفية تغير الإنسان بسبب انتقاله من بيئة إلى أخرى فتقول: (( إن البيئة تخللت عظامه ولحمه وعقله وروحه كما وجهت أفكاره وغيرت من ألوانه وشكله 17)).
وهذا الاختلاف لا يخرج عن هذا الإطار أما عن تحديد قبائل صنهاجة وكتامة بأنهم من العرب فالمقصود انهم من قبائل اليمن أما الباقي فهم من قبائل العرب في بلاد الشام.
وإذا رجعنا إلى قبائل البربر في المغرب العربي وبالذات قبيلة صنهاجة فيقول عنهم الدكتور أحمد مختار العبادي: ((في هذه الصحراء (الكبرى) كانت تعيش قبائل صنهاجة اللثام البربرية... غير إن هذه القبائل الصحراوية الجنوبي كانت تختلف عن أقرباءها في الشمال في أنها كانت تتلثم أو تتقنع ولهذا سميت بصنهاجة اللثام 18)).
وإذا استعرضنا جميع قبائل البربر فسوف لانجد في شمال أفريقيا من أتخذ اللثام خطاماً له بينها سوى قبائل صنهاجة أو الملثمين ولا نجد بقايا الصنهاجيين سوى في الطوارق وما يؤكد هذا الكلام ما قاله المستشرق الفرنسي (الفرد بل) في كتابه (الفرق الإسلامية في شمال أفريقيا ) فنورد منه : ((إن صنهاجة هذه بربرية اللغة والعادات، وأحفادهم الحاليين، هم مثلهم بدو يركبون الجمال....19)).
أما الأستاذ إبراهيم الكوني فلديه ما هو عكس هذا الكلام فيقول عن الطوارق بأنهم ليسوا من الصنهاجيين فيقول: (( إن الطوارق هم أحفاد الجرمنت أستناداً إلى استنتاجات تحليلية تأريخية....20)) .والجرمنت هم من يطلق عليهم في التأريخ القديم باسم الليبيين وقد أختلف كذلك في أصولهم فمنهم من يرى أنهم من الأوربيين ومنهم من يقول بعروبتهم ولكنهم ليسوا من الصنهاجيين أو العكس لأن المؤرخين ذكروا الصنهاجيين الذي سكنوا الصحراء ملثمين أما الجرمنت فليسوا كذلك. وقد أستند الأستاذ الكوني على زيارة هيرودوت للمنطقة ووصفهِ للجرمنت ومن سكن الصحراء وقام الكوني بالمقارنة فوجد نقاط تشابه بين حياة الاثنين وهو رأي على ما أعتقد أنفرد به، ومع ذلك يبقى الفيصل في الحكم للعقل والمنطق .
ومن خلال هذا الاستعراض العام لأصول هذه القبيلة نجد أن أصلهم قد أختلف فيه آراء الباحثين والمهتمين، فالكثيرين كتبوا في هذا الموضوع، فمنهم من أراد بكتابته نقل الأمانة العلمية، ومنهم من أراد غير ذلك.وهذا لايعني الطعن بأي من الآراء، ولكن حسب ما كتب عن هذه القبائل فالإجماع أو شبهه قد أرجح رجوع الطوارق لصنهاجة إحدى قبائل البربر والقسم الأقل قال بغير ذلك.
ويفخر الملثمون أنفسهم بنسبهم العربي القديم فيقول شاعرهم أبو محمد بن حامد:
                  
قومٌ لهم شرفُ العُلا مِن حِميرٍ                            وإذا انتَمَوا صنهاجةً فهمُ هُمُ
                                                           لما حَوَوا إحرازَ كُلِ فضــــــــــــــــــيلةٍ                           غـلبَ الحياءُ عليـهمُ فتلثمـوا 21

ولكن الاختلاف في الرأي عن أصولهم لا يفسد دورهم وتأريخهم، خاصة في نشر الإسلام والدفاع عنه، فلا خلاف أنهم بعد ذلك:هم وتغلغل الإسلام نفوسهم كانوا خير من نشر الإسلام في شمال أفريقيا والصحراء الكبرى وجنوب أوربا.
فالإسلام هو الهوية الواضحة التي يُفتخر بها لا بسواها وكما قال الإمام علي (كرم الله وجهه) وهو سيد البلغاء في ذلك :
                
ليسَ الفتى من قالَ كان أبي                         لكنَ الفتى من قال هاأنا ذا 22


الملثمون الطوارق والإسلام:


لم تكن بعد أفريقيا قد دخلها الإسلام بل كان الدين التي تدين به مزيج من الأديان الوثنية والمجوسية والنصرانية هذا كما يروي المؤرخين أما بلاد المغرب العربي فيذكر إن بداية فتحها من قبل المسلمين كانت على عهد خلافة عمر بن الخطاب على يد القائد عمرو بن العاص فبعد دخوله مصر عام20هج، وطرابلس عام 22هج، ولم يبدأ بدخول أفريقيةó إلا عام 27هج عندما دخلها عبد الله ابن أبي سرح في خلافة عثمان.
ولم يكن دخول الإسلام إليها بسهولة وإنما بصعوبة بالغة والسبب في ذلك هو أن البربر لم يكونوا بالنسبة للمسلمين الفاتحين كالفرس والرومان المحتلين الذين أخرجهم الإسلام من بلاد المسلمين بالقوة، ولم يكونوا كذلك يعيشون حياة الرومان والفرس حياة الترف والليونة وإنما كانت حياتهم مشابهة لحياة عرب الجزيرة الفاتحين في كل شيء تقريباً، وكان للبربر ميزة أخرى تقوي من عزيمتهم وهي دفاعهم عن أرضهم ضد من يعتبروهم غزاة طامعين فلم يكن يعتبرون المسلمين القادمين من الشرق أصحاب فكر جديد يخلص البشرية من الظلم والعبودية وإنما غزاة هدفهم نهب خيرات أراضي البربر، لذلك قاوموهم بكل ما أوتوا من القوة وضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن أراضيهم ((فالدين الذي أتى به الفاتحون العرب لم يتخذه البربر إلا بعد مقاومة طويلة حادة 23)).
ولم يدخل البربر الإسلام إلا بعد قضاء المسلمين على آخر ألويتهم المقاومة المتمثل بالكاهنةé  فنجد المسلمين بعد قتلها كما يروي أبن عذاري من قبل حسان بن النعمان والي عبد الملك بن مروان سنة 78هج لم يحارب بعدها أحد ((وأقام حسان بعد قتل الكاهنة، لا يغزو أحد، ولا ينازعه أحد 24)).
ولكن نجد أن بعد دخولهم الإسلام ومعرفتهم بما يكمنه لهم هذا الدين كان الإسلام صادق بحيث أنهم قاتلوا إلى جانبه ورفعوا رايته بكل حزم وإيمان فيذكر الدكتور محمد سعيد الكشاط : ((ولهذا نجد أيضاً حتى الكاهنة التي وقفت تحارب العرب عندما قدموا إلى بلادها نجدها في قصة تبنيها لخالد بن يزيد العبسي الذي كان أحد أسرارها وشرح لها أهداف ومبادئ الإسلام نراها توصي أبنائها بالأنضمام إلى المسلمين وهي لا تستطيع ذلك لأنها ملكة وأبى عليها كبرياؤها أن تستسلم ولأنها عاهدت القبائل على الحرب 25 )).
حتى نجدهم بعد ذلك أي أبناء الكاهنة بعد إسلامهم كانوا خير جنود الإسلام: ((فعقد لولدي الكاهنة، لكل واحد منهما ستة آلاف فارس، وأخرجهم (حسان) مع العرب يجولون في المغرب يقاتلون الروم ومن كفر من البربر 26)) وإذا عدنا إلى هذه الكاهنة فهي كما يذكر المؤرخون كأبن خلدون فهي ملكة صنهاجة القبيلة الأم للملثمين، وإذا قسمنا الصنهاجيين من حيث مناطق سكناهم شماليين وجنوبيين فنجد أن الإسلام   بدايةً قد أنتشر أولاً عند  الشماليين غير الملثمين الذين كانوا يسكنوا الصحراء أو: ((في جناح المغرب الأيمن، في الصحراء الغربية صحراء شنجيط أو ما يسمى الآن بموريتانيا...وفي هذه الصحراء كانت تعيش قبائل صنهاجة اللثام البربرية 27)).
أما طريقة انتشار ووصول الإسلام إليهم فكان عن طريق السرايا العسكرية التي كان يرسلها حكام المغرب الأوائل للمنطقة، وكذلك عن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يمرون إلى بلاد السودانó.
((ولكن على الرغم من ذلك ظلت هذه القبائل ضعيفة الإسلام، متفرقة الكلمة حتى أوائل القرن الخامس الهجري (11م) عندما حدثت فيها تلك الانتفاضة الدينية الإصلاحية التي الفت بين قلوبهم ووحدت صفوفهم على أسس دينية وأخلاقية صحيحة 28)).
أما عن طريق حدوثها وكيفيتها فقد كانت الرياسة في ذلك الحين ليحيى ابن إبراهيم الجدالي زعيم قبيلة جدالةó ويروي ابن عذاري في ذلك فيقول:
((إن أحد بني جدالة ويعرف بيحيى ابن إبراهيم كان قد توجه لأداء فريضة الحج، وأجتاز في إيابه على مدينة القيروانé سنة 440هج فحضر بها مجلس الفقيه المدرس أبو عمران الفاسيó.
فسأله عن قبيلته ووطنه فذكر أنه من الصحراء من قبيلة جدالة إحدى قبائل صنهاجة فقال له الفقيه ما مذهبكم؟
فقال له:مالنا من العلوم يرغبون. من المذاهب لأننا في الصحراء منقطعون لا يصل إلينا إلا بعض التجار الجهال حرفتهم الاشتغال بالبيع والشراء ولا علم عندهم... وفينا أقوام على تعليم العلم يحرصون. وعلى التفقه في دين الله يرغبون. فعسى يا سيدنا تنظر من يتوجه معي إلى بلادنا ليعلمنا ديننا.
فقال له الفقيه: سوف أجتهد لك في ذلك إن شاء الله. فعرض الفقيه الأمر على الطلبة هناك فلم يجد أحد يوافقه على ذلك.لأجل مشقة السفر البعيد والانقطاع في الصحاري.فدل الفقيه على رجل من فقهاء المغرب الأقصى (المملكة المغربية) اسمه واجاج فأعطاه كتاباً يوصله إليه يؤكد في الاجتهاد في ذلك عليه.
فلما وصل يحيى أبن إبراهيم إلى إليه.لمغرب وجده في موضع يقال له ملكوسó واجتمع معه فيه. وأعطاه كتاب الفقيه أبي عمران فرحب به وأكرمه. وكلمه يحيى بما أراد أن يكلمه.وأعلمه بوصية الفقيه أبي عمران إليه .وتوكيده عليه فأختار له شخصاً يقال له عبد الله بن ياسين 29)) .
كان عبد الله بن ياسين الجزولي من أحدق طلبة وجاج بن زلّوا اللمطي وأوفرهم علماً وورعا ًوذكاء.ً وكان قد تلقى العلم في بلاد الأندلس على عهد ملوك الطوائف.
((صاحب أبن ياسين يحيى أبن إبراهيم إلى قبيلة جدالة حيث لقي منهم ومن لمتونةó إكراماً بالغاً وسروراً كبيراً لما ذكر لهم يحيى عنه من العلم والفضل والدين، عندئذ بدأ عبد الله بن ياسين بتعليم أهل جدالة أحكام الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكنهم سرعان ما تفرقوا عنه لصرامته في محاربة ماهم عليه من المنكر. ولكن أبن ياسين قرر مواصلة مهمته في الصحراء فبنى رباطهó باتفاق مع يحيى أبن إبراهيم وذلك في مكان ناءٍ من الصحراء أختلف في تعّينه فقبل أنه على ساحل المحيط ،وقيل بل هو في حدود السنغال على مصب نهرها 30 )) .
في بادئ الأمر لم يكن في هذا الرباط الذي بقوا فيه ما يقارب السبع سنوات سوى سبعة أنفر من جدالة ومعهم إبراهيم بن عمر اللمتوني، إلى زاد هذا العدد حتى وصل إلى الألف.
فيروى عما نقله المراكشي وابن ياسين جمعهم فقال لهم : (( يا معشر المرابطين، إنكم اليوم جمع كثير، وأنتم وجوه قبائلكم ورؤساء عشائركم، وقد أصلحكم الله تعالى وهداكم إلى صراطه المستقيم، فوجب عليكم أن تشركوا نعمته عليكم وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهدون في سبيل الله حق جهاده 31)).
ولهذا من الواضح ((إن أسم المرابطين أطلق بادئ الأمر على رجال قبيلة جدالة في الجنوب إلى أن تغيرت سياسة عبد الله ابن ياسين اتجاههم ، ولاشك إن هذا التحول المفاجئ لدى أبن ياسين من جدالة إلى لمتونة لم يأتي عفوياً إنما جاء نتيجة منافسة قديمة قامت بين هاتين القبيلتين حول زعامة صنهاجة 32)).
فبعد وفاة يحيى أبن إبراهيم الجدالي أرادت جدالة عرض زعيم آخر منهم بدل عنه ولكن عبد الله ابن ياسين لم يرد أن تكن طبقية بين قبائل صنهاجة فلا يكون الحكم أحتكاراً لواحدة دون الأخرى من القبائل وكذلك على أساس الحكم للأصلح فبعد توطين الإسلام بين المرابطين بقيادة الزعيم السياسي يحيى أبن إبراهيم والزعيم الديني أبن ياسين وبعد وفاة الأول بقي الحكم بيد الثاني فجعل حاكم المرابطين لمتوني وهو أبن يحيى أبن عمر الذي يكنى أبى زكريا ، مما دفع جدالة للخروج ضد أبن ياسين وعادت إلى ديارها بقرب ساحل البحر.
ولم يبقى مع أبن ياسين في مواصلة نشر دعوته سوى اللمتونيين الذين صمدوا في الفتوحات وقاتلوا بكل ما أوتوا من قوة حتى ثبت عليهم لقب المرابطين (( كما صارت كلمة مرابط بعد ذلك بمثابة وسام عسكري يمنحه كل سلطان مرابطي لأتباعه المجاهدين ، ليؤكد من جديد سنة أسلافه في إيثار الجهاد والرباط والذود عن الإسلام 33)) .
ولكن نجد إن خلال هذه الفترة التي تولى اللمتونيين الحكم فيها لم تكن خالية من التنافر بينهم وبين الجداليين بل كانت بينهم حروب طاحنة أدت إلى قتل قائدهم ((أبو زكريا ابن عمر 448هج 34))، والذي تولى بعده أخاه أبي بكر بن عمر .
ولكن بعد ذلك هدأ ولو لفترة التنافر بينهم وذلك لوجود سبب أقوى أو شر خارجي يتربص بهم وبكل ما بنوه وما أكتسبوه من الإسلام، فعندما أحسوا بأن الإسلام في خطر عادوا إلى صوابهم ورشدهم للدفاع عنه .
فبينما مناطق المرابطين كانت وسط بين مملكة غاناó في الجنوب وقبائل المغرب الشمالية والذين يسيطرون على مواقع إستراتيجية من المغرب العربي والذين انحرفوا عن دينهم الإسلامي على ما أعتقد المرابطين بأتباعهم منهج الظلم وكذلك بسبب وجود بعض القبائل التي كانت تتخذ من المذهب الشيعيó منهاجاً لها . إذا علمنا أن الهدف الأول لأبن ياسين بعد نشر الإسلام هو توحيد المذاهب الإسلامية بمذهب واحد هو المذهب المالكيó فقد كان المرابطين يعتقدون بعدم صحة تلك المذاهب الأخرى.
فنجد أن المرابطين بعد اتحادهم من جديد مع بعض لاقوا انتصارات كبيرة عند توجههم للشمال ((ولفهم الانتصار السريع الذي ظفر به المرابطون ينبغي أن نتذكر أن الوقت كان مناسباً تماماً، ذلك إن الأراضي الواقعة في الشمال الغربي من المغرب كانت آنذاك في فوضى تامة، فعلى أنقاض الخلافة الأموية في إسبانيا، قامت إمارات عديدة صغيرة مستقلة في كلا بابي مضيق جبل طارق، بينما في شرقي الشمال الأفريقي كان بنو زيريó وبنو حمادó استنفذتهم المنازعات 35)) ((فقام المرابطون بعدة غارات في درعه حوالي عام 1054م (446هج) أو عام 1056م (448هج) 36)) .
وذلك لمعاقبة أمير سجلماسةó مسعود بن وانوّدين المغراوي على شدة ظلمه في رعيته ونجحت هذه الغارات والذي كان الأمير هذا ((غير مستعد للمقاومة فقتل في إحدى المعارك وسقطت عاصمته في أيدي الصحراويين 37 )) ((ثم دخل أبن ياسين مدينة سجلماسة فقتل من وجد بها من مغراوةóوأقام بها حتى هدَّنها وأصلح أحوالها وغير ما وجد بها من منكرات 38)) ((ووجهت حملات مماثلة نحو السودان .وكانت بقيادة أبي بكر بن عمر أخو القائد السابق الذي قتل فقام عام 1057م (447هج) فغزا السوسó واستولى على تارودنتó. وهذه المقاطعة البعيدة يبدوا أنها، منذ أيام الأدارسةó الأولى، قد أفلتت من حكومات الشمال وبقيت مستقلة 39 )) ويتخذ ساكنو هذه المقاطعة المذهب الشيعي منهاجاً لهم حتى دخول المرابطين إليهم.
ولنشر المذهب المالكي في هذه المناطق الخاصة بعد أن توفرت فرصة تأريخية لإبن ياسين في سبيل التقدم إلى باقي مناطق الشمال كفاتح لا كغازي باتخاذ أهالي قبائل برغواطةó ديانة منحرفة عن الإسلام، فتوجه إليهم لقتالهم (( وهكذا بدأت حرب عنيفة دامية حوالي سنة 1058م (448هج) ضد تلاميذ صالح بن طريفé، ولم تنتهي هذه الحرب إلا بعد أن قضى المرابطون على هذه البدعة وشتتوا من بقية من أنصارها حياً.
وقتل ابن ياسين في المعارك الأولى مع برغواطة عام 541هج ودفن بموضع يقال له كريفلةó 40)) وبعد استقرار الوضع بالنسبة إلى المرابطين وبعد فرض سيطرتهم الكاملة ((قفل الأمير أبو بكر راجعاً إلى مدينة أغمات التي كانت أول حاضرة للمرابطين بالمغرب 41))
وفي عام 1060م (452هج) جهز الأمير أبو بكر جيشاً كبيراً من صنهاجة وجزولةó والمصامدةó حيث أفتتح بلاد فازازó وجبالها وسائر بلاد زناتةó ، كما فتح بلاد مكناسةó ، ثم عرج على مدينة لواتةó ففتحها عنوة ورجع لمدين أغمات 42)) .
وأقام بها إلى أن تلقى فيها خبراً مفاده أن خلافاً نشب بين قبائل صنهاجة، فعزم على التدخل بينهم كي يضع حداً لهذه الفتنة وكذلك لكي يستأنف حركة فتوحاته هذه المرة في القبائل الوثنية من بلاد السودان.
(( إلا أنه كان حريصاً كل الحرص على مكاسب دولته التي كانت لاتزال في مرحلتها المبكرة .ولهذا عهد إلى أبن عمه يوسف بن تاشفين اللمتونيó قائده على الجيوش بأمر المغرب. وهكذا فأن الاختيار الموفق لهذا القائد يدل على بعد نظر الأمير وسعة افقه...وهكذا تقلد يوسف بن تاشفين زمام الأمور في بلاد المغرب بعد أن أجمع أشياخ المرابطين على إمرته نظراً لما يعرفون من عدله ودينه 43)) .
وهذا يدل على أن الأمور لدى المرابطين قد اختلفت عما كانت عليه في فترة أبن ياسين فقد أستأثر اللمتونيين بالحكم على الصنهاجيين وعلى باقي من انضوى تحت لوائهم وفي الحقيقة على الأرجح أن سبب تلك النزاعات الدائمة بين القبائل المرابطية هي لهذا السبب وهذه كانت البداية لتكوين المملكة المرابطية، ولو أن المرابطين لم يكونوا مملكة ولكن كان كل ما بها يدل على وجودها ولو بغير هذا الاسم فقد قسم أبو بكر جيشه قسمين بينه وبين ابن عمه، ((فترك له الأمير أبو بكر جزأً من جيشه وسار بالباقي إلى بلاد الصحراء في عام 1061م (453هج) حيث قام بإصلاح أحوال الصحراء، ثم واصل جهاده في بلاد السودان فاستولى على الكثير من الأراضي وأعلى فيها كلمة الإسلام أما بالمغرب فقد قام بن تاشفين بتوزيع القيادة على فرسان قومه وأنجادهم فأختار أربع من قوادهم وهم: سير بن أبي بكر اللمتوني ومحمد بن تميم الجدالي وعمر بن سلمان المسوفي ومدرك التلكاتي وعقد لكل منهم على خمسة آلاف من قبيلته وسيرهم لقتال المعارضين ...وسار هو على باقي الجيش في إثرهم حتى غلب على معظم بلاد المغرب 44 )).
ورجع بعد ذلك إلى مدينة أغمات مركز انطلاق المرابطين ليكون صيته قد أشتهر وسمعته ذاعت في الآفاق.
وعلى العموم كان المرابطين قد حددوا صفة حكومتهم بأن نقشوا على نقودهم ولاءهم الروحي للخلافة العباسية في بغداد.((فمنذ عام 1058م وحتى نهاية دولتهم كان الخليفة يسمى (الإمام) ويلقب بأمير المؤمنين. بينما لم يحمل زعمائهم سوى لقب هو (الأمير) 45 )) .
فبعد هذا التقسيم لدولة المرابطين الواضح بين قائدين كبيرين كالزعيم الأكبر للمرابطين أبي بكر الذي أستقر في الجنوب وأتخذ من أغمات عاصمة له والأمير أبن تاشفين الذي أتخذ من مراكشó عاصمة له، ولكن لا يمنع هذا التقسيم في أن يكون الحل والعقد بيد الزعيم الأكبر حسب ما يرويه لنا التأريخ .
((فلم يجرأ بن تاشفين يوماً على نقش أسمه على السكة إلا منذ عام 480هج أي عام 1087م أي منذ وفاة الأمير أبو بكر ...فقد كانت هناك لقاءات تتم دائماً بين الأميرين وآخرهن كان في مكان بين أغمات ومراكش وقدم فيها الأمير يوسف هدية كبيرة لأبي بكر فسُر بها وبهذا اللقاء وكان أبو بكر رجلاً زاهداً ورعاً فقال ليوسف: أنا لاغنى لي عن الصحراء مقر إخواننا ومحل استيطاننا وما جئت إلى هنا إلا لأسلمك الأمر في بلادك وأهنئك فيه وأعود إلى الصحراء 46)). ((فتخلى الأمير أبو بكر لأبن عمه عن السلطة من تلقاء نفسه. بعدها رجع لمقره في الصحراء حيث قاد عدة حملات ناجحة في بلاد السودان لنشر الإسلام بين ربوعها، إلى أن توفي عام 1087م 47)) .
ومن خلال ما ورد يتبين لنا حسب الأحداث التاريخية المتلاحقة، إن الأمير أبو بكر بعد أن رأى قوة وسطوة أبن عمه أبن تاشفين، والتفاف الناس حوله، وبخاصة في مناطق نفوذه، وكان أبو بكر رجلاً عارفاً بأحوال السياسة، لم يشأ أن يضع نفسه في موقف لا يحمد عقباه في الاستئثار بالسلطة، فقد كان لأبن عمه يوسف شعبية كبيرة لدى رعيته وكان أعرف منه بأحوال دولة المرابطين شمال الصحراء، فرغب أبو بكر في استكمال نجاحاته في الجنوب لمد دولة المرابطين ولنشر الإسلام في المناطق الوثنية والذي بفضله أدخل مملكة غانا في الإسلام، ((والتي على أنقاضها قامت مملكة مالي الإسلامية، فكانت ثمرة من ثمرات جهاد هذا الأمير وجنوده المرابطين 48)). إلى أن أستشهد هذا القائد فأفل بذلك نجم أخر من سماء الملثمين، بعد أن أرسى قواعد وأسس دولته .
فأصبحت دولة المرابطين الكبرى كلها تحت حكم القائد يوسف بن تاشفين. الذي أستلم زمام الأمور فيها وقام بأعمال كثيرة لتدعيم دولة الصحراويين أهمها :

1-       ((عمل على إتمام فتح بلاد المغرب الأقصى، وبنى أسطولاً بحرياً ساعده في احتلال الثغور الشمالية المطلة على مضيق جبل طارق مثل سبته وطنجه ومليلة، كما ضم المغرب الأوسط وتوحيده مع المغرب الأقصى. فاستولى على تلمسانó و وهرانó وتونس والجزائر حتى بلغت حدود أقرباءه الصنهاجيين من بني حماد والزيريين في أفريقية، وهكذا أصبح يوسف بن تاشفين سيداً على المغربين الأوسط والأقصى والصحراء.
2-       أتم بناء العاصمة مراكش وحرص على أن يعطي ملكه حق شرعي، فدعا الخليفة العباسي في بغداد لإعطائه المباركة. وهكذا صار المغرب يتمتع بوحدة سياسية ودينية قوية في ظل دولة المرابطين وزعيمها بن تاشفين. في الوقت الذي كان فيه الأندلس يعاني من التفكك السياسي والاجتماعي تحت حكم ملوك الطوائف 49)).
فبعد سيطرة الصحراويين على بلاد المغرب العربي، كانت الأندلس تعيش تفكك وانقسامات مما جعلها تكون على شكل دويلات صغيرة مسلمة متنافرة مضطربة تعيش وسط دول كبيرة نصرانية تأكل من هذه الدويلات بين فترةٍ وأخرى.
فلم يبق أمام المعتمد بن عبادó حاكم أشبيليةó إلا الاستعانة بأعدائه المرابطين الذين لم يكن بينهم وبين الأندلس سوى ذراع ضيق من الماء هو مضيق جبل طارق. مع علم المعتمد إنه لن يكون حاكم على أي شيء لو استولى المرابطين على الأندلس بل كان يتوقع أسوء من ذلك لما سيفعله المرابطون به ولكنه كان يفضل أن يكون الحكم للإسلام بدل النصارى وهذا ما نستنتجه من كلمته المشهورة التي قالها عندما أرادوه أن ينصاع لسيطرة الفونسوé السادس ملك قشتالةó ويبقى في الحكم فأجابهم: ((رعي الجمال عندي خيرٌمن رعي الخنازير 50))،


 لكن النصارى كانوا على علم بما عزم عليه ابن عباد من استنجاد بالمرابطين بدليل أن الفونسو السادس أرسل إلى يوسف بن تاشفين خطاباً كله تهديد ووعيد محاولاً إرهابه وتخويفه. ولكن كان جواب بن تاشفين له: ((أما بعد : فأن الجواب ما تراه بعينك لا ما تسمعه بإذنك والسلام على من أتبع الهدى .
ثم أردف ذلك ببيت للمتنبي :

ولاكُتُبَّ إلا المــــشرفيةُ والقنا                                       ولا رُسلَّ إلا بالخميس العرمرم         51)) .
 
 أخذ بن تاشفين بعد العدة لفتح الأندلس فحرص على الحصول على أجود أنواع الأسلحة من السيوف التي كانت تصنع في الأندلس، وكذلك ضمان الحصول على بعض الثغور العدوة الأندلسية كي يسيطر على مضيق جبل طارق ويضمن الاتصال بوطنه في أي وقت يشاء سواء وقت النصر أو الهزيمة، لهذا بعث للمعتمد بن عباد يطلب منه تسليمه ثغر الجزيرة الخضراءó مفتاح أسبانيا من الجنوب ولم يكن بن تاشفين مجرد رجل أخذته العزة في فتحه لبلاد المغرب ويريد زيادة ملكه وإنما أراد إنقاذ أخوته في الأندلس من الصليبيين وإنقاذ الإسلام الذي كان الصليبيين يشنون ضده حملة صليبية سواءً في المشرق في فلسطين أو في المغرب في أسبانيا حتى إن البابا بارك حرب الأسبان ضد المسلمين بإعفائهم من المشاركة في الحملة الصليبية في المشرق الإسلامي لأنهم بحرب مقدسة أخرى وإذا عدنا إلى المرابطين فسنجد أنهم إضافةً لكونهم يناصرون أخوتهم في هذه الحرب، فإنهم كذلك في حال نصرهم سيحققون حلماً طالما تمنوه طويلاً، هو دخول الأندلس فاتحين كما دخله سابقاً جدهم طارق بن زياد .
((فعبر أبن تاشفين بجيوشه مضيق جبل طارق في منتصف ربيع الأول سنة 479هج الموافق لعام 1086م، ونزل الجزيرة الخضراء التي أخلاها له المعتمد. فقام يوسف بتحصين الجزيرة. لتكون جسراً لهجومه وخط رجعة لانسحابه وهناك وافاه أكثر رؤساء الأندلس أمثال المعتمد بن عباد والمتوكل بن الأفطس (صاحب بطليوس ) بمن معهم من جنود وكل من رغب بالجهاد 52)).
على ما هو واضح فقد كان لأبن تاشفين رهبة كبيرة جعلت من أغلب ملوك الطوائف في إسبانيا وضع ثقتهم به وتسليمهم له جيوشهم، وإضافة لهذه الميزة التي تميز بها بن تاشفين إلا أنها ليست فقط الثقة هي التي دفعت ببعض هؤلاء الملوك لهذا العمل وإنما كذلك كانت لديهم رغبة في المحافظة على كراسيهم والبقاء بها فهم على ثقة تامة إنهم لن يستطيعوا النصر على الفونسو وبالتالي سيطاح بهم، والبعض الآخر منهم، أحسوا بحجم الدمار الذي سيصيب الإسلام بسبب ضعف المسلمين ففعلوا هذا كابن عباد.
((ثم زحفت هذه الجيوش نحو أشبيلية ثم إلى بطليوسó في غرب الأندلس بغية لقاء العدو. ولما علم الفونسو السادس بذلك وكان محاصراً لمدينة سرقسطةó المسلمة رفع الحصار وأسرع بجيوشه نحو تجمعات المسلمين، فالتقى بهم في شمال بطليوس عند فحص الزلاقةó وهناك دارت معركة فاصلة بين الاثنين في 12 رجب سنة 479هج الموافق 1086م 53)). وفي هذه المعركة أنتصر المسلمين أنتصاراً ساحقاً على عدوهم الفونسو والذي جرح في هذه المعركة جرحاً بليغاً مات على أثره. وبهذه النتيجة أنتصر بن تاشفين على أعتى أعداء الإسلام في الأندلس. ورفع من معنويات المسلمين بعدما كانوا فيه من الخضوع والإذلال من قبل ملك قشتالة الفونسو. ((وعاد بن تاشفين إلى المغرب بعد أن رتب جيشه وأمّر عليه سير بن أبي بكر اللمتوني 54)) .واستمر هذا القائد يدفع العدو حتى حدود الإمارات الإسلامية في الأندلس وقد سهل له خاصة بعد خلو الساحة من الفونسو. وهكذا أصبحت الأندلس ولاية مرابطية يحكمها الصحراويين بعد أن تم عزل قادتها السابقين وإبدالهم بقادة مرابطين، وجعلت العاصمة الرئيسية مراكش. ((وفي سنة 500هج توفي يوسف بن تاشفين مريضاً، وقد خلفه أبنه (علي) الذي أستمر على نهج والده واجتاز البحر للأندلس لتفقد أحواله مع جيوشه سنة 503هج. ولما أطمئن عليها ...عاد للمغرب ...ورجع مرةً أخرى إليها عام 511هج لاستبدال بعض قياداتها 55)) ، ((حتى وصلت جيوش الصحراويين للبرتغال فاتحة عام 1094م (487هج)، ومدينة سرقسطة 1109 م (502هج) ، ومدينة برشلونةé عام 1114م (507هج)، وجنوب إيطاليا عام 1121م (514هج) 56 )) .
ولكن مع هذه القوة التي أمتلكها المرابطون برياً فقد كانوا يملكون من أكبر الأساطيل البحرية التي يقودها أمير البحر عبد الله محمد بن ميمون، ومع ذلك كانوا دائم التعرض لغزوات صليبية. لكنهم كانوا دائما على أهبة الاستعداد لها بفضل من الله وقوة رجالها الذين وصفهم البكري بقوله : (( ولهم في قتالهم شدة وجَلَد ليس لغيرهم، وهم يختارون الموت على الانهزام، ولا يحفظ لهم فرار من الزحف، وهم يقاتلون على الخيل والنجب، وأكثر قتالهم وهم راجلون على أقدامهم صفوفاً...فكانوا أثبت من الهضاب 57)) .
وهذا غيظ من فيظ من تأريخ دولة بنت أمجادها، فحتى من بقي من أبنائها المتمثلين في الطوارق نراهم يتوزعون في عدة دول طلباً للحياة الكريمة، فتجاهلهم التأريخ ونساهم في طي كتبه حال الدول الإسلامية الأخرى التي كانت تُرهب من يسمع بها .
وأخيراً دعوانا من العلي القدير نصرة الإسلام والمسلمين في كل بقاع الأرض وقبول أعمالنا.
****************************************