الحرب في البلقان
بعد مواجهة روسيا لم تستطع القوات النمساوية سوى استخدام ثلثي قواتها للهجوم
على صربيا. وقع هجوم مضاد صربي في معركة كولومباراوانتصر فيها
الصرب انتصارًا كبيرًا وتمكنوا من طرد العدو من بلادهم مع نهاية عام 1914. في
الأشهر العشرة الأولى من عام 1915 استخدمت القوات النمساوية المجرية معظم قواتها
الاحتياطية في قتالها مع إيطاليا. استطاع الدبلوماسين الألمان والنمساويين المجرين
من اقناع بلغاريا على القيام بانقلاب ضد صربيا. بعد ذلك بدأت محافظات النمسا-المجر
مثل سلوفينيا، كرواتيا والبوسنة بتقديم قواتها
لاجتياح صربيا وفي نفس الوقت قتالها مع روسيا وإيطاليا، بينما تحالف الجبل الأسود مع مملكة صربيا في تلك الحرب.[123]
مضى أكثر من شهر بقليل منذ أن تم غزو صربيا وأصبحت قوة دول المركز أكثر من ذي
قبل بعدما انضمت إليها بلغاريا وأرسلت 600,000 من جنودها.
كان الجيش الصربي يقاتل في جبهتين مع احتمالية أن يُهزم فيها تراجع إلى شمال ألبانيا. عانى الصرب من الهزيمة في هجوم كوسوفو. في 6–7 يناير
1916 قاتل الصرب القوات النمساوية المجرية في معركة موجكوفاك وبعدما
شعرت القوات الصربية بعدم جدوى القتال تراجعوا فقام جيش مملكة الجبل الأسود
بالمساعدة وعمل كتغطية له وكانت النتيجة فوز قوات الجبل الأسود، إضافة للفوز فقد
أعطى هذا الصرب المزيد من الوقت للتراجع دون أن يكون هناك المزيد من الخسائر. ولكن
في النهاية غزا النمساويين الجبل الأسود وتم إجلاء الجنود الصرب الباقين على قيد
الحياة عن طريق السفن إلى اليونان.[124] بعد
الاحتلال قُسمت مملكة صربيا بين الإمبراطورية النمساوية المجرية وبلغاريا.
في أواخر عام 1915 وصلت القوات الفرنسية البريطانية سلانيك في اليونان لتقديم المساعدة وللضغط على
الحكومة لإعلان الحرب ضد دول المركز، ولكن ملك اليونان قسطنطين الأول رفض هذا
المقترح المقدم من رئيس وزرائه إلفثيريوس فينيزيلوس قبل وصول
قوة التدخل السريع من الحلفاء.[125]
انضمت بلغاريا إلى دول المركز وغزوا صربيا، وهو الحدث الذي
أدَّى إلى انهيار صربيا نهائيًا. ظلت اليونان محايدة، وأيّد فينيزيلوس التحالف
مع الوفاق الثلاثي، وهو مؤمن بأنه
الخيار الوحيد لليونان، نظرّا لسيطرة البحرية البريطانية والفرنسية على البحر
المتوسط. وعلى النقيض، كان الملك قسطنطين يفضل دول المركز، ويريد أن تظل اليونان محايدة،[126] متأثرًا باعتقاده
في التفوق العسكري لألمانيا، ولأن زوجته الملكة صوفيا
ألمانية، كما أن حاشيته موالية لألمانيا. لذا سعى لضمان الحياد، وبذلك يضمن رضا
ألمانيا والنمسا.[127]
كانت جبهة مقدونيا راكدة مما دعى القوات
الصربية والفرنسية القيام بالتحرك واستعادة مناطق محدودة من مقدونيا عن طريق
الإستيلاء على بيتولا في 19 نوفمبر 1916 متبعًا
بعدها هجوم موناستير وهذا
الإستيلاء قد جلب الاستقرار للجبهة.
انفصلت القوات الصربية والفرنسية في سبتمبر عام 1918 بعدما سحبت القوات
النمساوية المجرية والألمانية معظم قواتها. عانى البلغاريون هزيمة واحدة في معركة دوبرو بول، استسلمت فيها
بلغاريا بعد أسبوعين في 29 سبتمبر 1918.[128] استجابت
القيادة العليا الألمانية للقوات المرسلة للسيطرة على خطوط القتال ولكن تلك القوات
كانت أضعف بكثير من أن تعيد تأسيس الجبهة إلى ماكانت عليه.[129]
اختفاء الجبهة المقدونية يعني أن الطريق إلى بودابست وفيينا سيكون مفتوحًا لعبور قوات
الحلفاء. وقد استنتج هيندينبيرغ وودندورف أن الاستراتيجية والعمليات المتوازنة قد
تحولت مباشرة لتكون ضد دول المركز.[130]
الدولة العثمانية
انضمت الدولة العثمانية إلى دول
المركز في هذه الحرب، وقبل أن تنضم كان هناك اتفاق سري بين الدولة العثمانية
والإمبراطورية الألمانية عرف باسم الحلف العثماني الألماني.[131] قامت بعد
انضمامها بقصف أراضي القوقاز الروسية وشبكة الطرق
البريطانية في الهند عن طريق استخدامهالقناة السويس.
الأرمن كانوا أرثوذكس وروسيا القيصريَّة هي حامية الأرثوذكس العُثمانيين لذا
استطاعت أن تستخدم هذا لمصالحها. كان من الأمور الملحة التي واجهت الإتحاديين هو
نقل سكان المناطق الأرمينية في ولايات الشرق ويكيلكيا والأناضول الغربية إلى
المناطق الداخلية في بلاد الشام وبلاد الرافدين، وذلك بهدف تأمين حياة السكان
المدنيين وحماية القوات المسلحة من خيانة محتملة من جانب العناصر الموالية لروسيا،
يُذكر أنه مع نشوب الحرب
العالمية الاولى تطلعت العديد من الشعوب التي كانت خاضعة
لسيطرة الدولة العثمانية عليها في
نيل الاستقلال وتشكيل بلد قومي لها وكان الأرمن من ضمن هذه الشعوب التي كان
لها تطلعات بإنشاء وطن قومي.[132] في
المناطق التي تعرضت للاحتلال الروسي، ولقد اشتركت العصابات الأرمنية مع القوات
الروسية في اضطهاد السكان المسلمين وقتلهم بهدف إجبارهم على الهرب من الأناضول
الشرقية وربط هذه الولايات بروسيا. وحصل في ولاية فان أن قتلت العصابات الأرمنية
جميع سكانها المسلمين في 20 أبريل إذ بقتل خمسة آلاف من أهالي راوندوز وخانقين
والمناطق المجاورة لهما. نتيجة لذلك تعرض المرحَّلون لعمليات تعذيب وقتل في الوقت
الذي كانت تجري فيه حرب شوارع مع عصابات الأرمن المسلحة وتعقب فلولهم.[133]
تعرض الأرمن في عهد الدولة العثمانية إلى عدة مجازر لعلَّ أهمها المجازر الحميدية ومجزرة أضنة ومذابح الأرمن خلال
الحرب العالمية الأولى حيث راح ضحيتها ما بين 500 ألف وثلاثة ملايين أرمني.[134]
يوم 24 نيسان عام 1915 تم اعتقال أكثر من
250 من أعيان الأرمن في إسطنبول.[135][136] وبعد ذلك،
طرد الجيش العثماني الأرمن من ديارهم، وأجبرهم على
المسير لمئات الأميال إلى الصحراء من ما هو الآن سوريا، وتم حرمانهم من الغذاء والماء، المجازر كانت
عشوائية وتم قتل العديد بغض النظر عن العمر أو الجنس، وتم اغتصاب والاعتداء الجنسي
على العديد من النساء الأرمنيات.[137] اليوم
أغلبية مجتمعات الشتات الأرمني نتيجة
الإبادة الجماعية. ومن المعترف به على نطاق واسع أن مذابح الأرمن تعتبر من
جرائم الإبادة الجماعية الأولى في
التاريخ الحديث.[138][139]:177[140]
قامت الدولة العثمانية في قتل
متعمد ومنهجي للسكان الأرمن خلال وبعد الحرب العالمية الأولى،[141] وقد تم
تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل
القسري والتي كانت عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة
المبعدين. يُقدّر الباحثين أن أعداد الضحايا الأرمن تتراوح ما بين 1 مليون و1.5
مليون نسمة.[142][143][144][145][146]. وقد تعرضت
مجموعات عرقيًّة مسيحية أخرى تم مهاجمتها وقتلها من
قبل قوات نظاميّة عثمانية خلال هذه الفترة كالسريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وغيرهم،
يرى عدد من الباحثين أن هذه الأحداث، تعتبر جزء من نفس سياسية الإبادة التي
أنتهجتها الدولة العثمانية ضد الطوائف المسيحية.[147][148][149] في حين
أنّ تركيا الحديثة تنفي وجود مذابح ومجازر في حق الأرمن، تؤكد الأمم المتحدة؛[150] ومعظم
علماء الإبادة الجماعية والمؤرخين
بحصول الإبادة الجماعية بحق الأرمن.[151][152][153][154][155]
فتحت القوات الفرنسية والبريطانية جبهاتها في ما وراء البحار في شبه
جزيرة جاليبولي التركية ووقعت معركة جاليبولي (1915)
إضافًة إلى حملة بلاد الرافدين. نجحت قوات
الجيش العثماني في صد الجيوش البريطانية والفرنسية فيلق الجيش الأسترالي
والنيوزيلندي في جاليبولي. في بلاد الرافدين وبعد
كارثة حصار الكوت (1915–1916) استولت القوات
البريطانية على بغداد في شهر مارس 1917. ساعد رجال
القبائل العربية والآشورية المحلية الجيش البريطاني في بلاد الرافدين بينما
استخدمت القوات العثمانية القبائل الكردية والتركمانية المحلية.
وقعت حملة سيناء وفلسطين في
الناحية الغربية. فشل العثمانيون في الهجوم على قناة السويس في عامي 1915 و1916؛ (كان
يهدف العثمانيون لقطع طريق إمدادات الحلفاء المار عبر قناة السويس في مصر وشرعوا
بغزو سيناء التابعة للمملكة المصرية التي كانت آنذاك محمية بريطانية ولها أهميتها
الحيوية للبريطانيين التي كانت تقلل زمن الإبحار من الهند، نيوزيلندا وأستراليا
إلى أوروبا)[156] ، لقد
انهزمت القوات المجتمعة من الدولة العثمانية والإمبراطورية الألمانية في معركة رمانة (3-5 أغسطس 1916) وفوز كتيبة
المشاة البريطانية رقم 52 وكتيبة فرسان الجيش الأسترالي والنيوزيلندي. بعد هذا
الانتصار تقدمت قوة التجريدة المصرية للإمبراطورية
البريطانية إلى سيناء دافعًة الجيش العثماني
إلى معركة مغضبة (23 ديسمبر 1916) ومعركة رفح (9 يناير 1917) على الحدود
بين سيناء المصرية و فلسطين
العثمانية.[157]
حصلت روسيا على أفضل الأراضي في القوقاز. كان أنور باشا القائد الأعلى للقوات
المسلحة العثمانية طموحًا ويحلم بإعادة احتلال آسيا الوسطى والمناطق التي خسرتها
الدولة العثمانية أمام روسيا ولكنه كان قائدًا فقيرًا أمام تحقيق هذا الحلم[158]. في ديسمبر 1914
شن أنور باشا يقيادة الجيش العثماني
الثالث هجومًا ضد الروس في القوقاز وكان معه 118,660 جندي.[159][160] وبسبب
إصراره هجوم الجبهة الروسية الجبلية في فصل الشتاء خسر 85% من قواته في معركة ساريقاميش[159]. فتقلصت أعداد
الجيش الثالث إلى 20,000 جندي مع خسارته لجميع مدافعه ومعدَّاته الثقيلة.[159][161]
في ديسمبر 1914 وبدعم من الألمان غزت الدولة العثمانية بلاد فارس (إيران في الوقت الحاضر) حتى
تقطع الطرق لدخول القوات البريطانية والروسية لخزانات النفط الموجودة
بالقرب من بحر قزوين.[162] كانت بلاد
فارس محايدة ظاهريًا ولطالما كانت تحت النفوذ البريطاني والروسي. ساعدت قوات الأكراد والأذربيجانية العثمانيون
والألمان جنبًا إلى جنب مع عدد كبير من القبائل الإيرانية الرئيسية مثل: قشقاي، لوري، الخاميسيون والتنغستانيون بينما دعمالآشوريون القوات
البريطانية والروسية. دامت حملة فارس إلى 1918 انتهت بفشل
العثمانيين وحلفائهم، انسحب الروس من الحرب في عام 1917 تاركين القتال للقوات
الأرمينية والآشورية التي ألحقت سلسلة من الهزائم المحرجة على قوات العثمانيين
وحلفائهم مع أنهم كانوا أكبر منهم في العدد إلا أنهم استطاعوا هزيمتهم وقطعوا خطوط
الإمدادات الحربية وأجبروهم على القتال والفرار نحو أماكن القوات البريطانية في
شمال بلاد ما بين النهرين.[163]
استطاع الجنرال نيكولاي يودنيتش القائد
الروسي من عام 1915 إلى 1916 إخراج العثمانيين من معظم جنوب القوقاز بعد سلسلة من
الإنتصارات.[159] في عام
1917 كلف الدوق الروسي نيكولاي نيكولايفيتش ليكون قائدًا
لجبهة القوقاز. خطط نيكولايفتش بعمل سكك حديدية من جورجيا الروسية لغزو الأراضي
ومنها يستفيد من هذه السكك في جلب الإمدادات الحربية بسرعة أكبر في حال أي هجوم
جديد سيقوم به في عام 1917. ومع ذلك ففي شهر مارس (فبراير/شباط في التقويم الروسي
قبل الثورة) من نفس السنة تنازل القيصر الروسي عن العرش بسبب ثورة فبراير [164] عندها
بدأ الجيش الروسي القوقازي بالتفكك
بعد ذلك الحدث الكبير.
الثورة العربية الكبرى (1916)
بتحريض من المكتب العربي في وزارة الخارجية
البريطانية بدأت الثورة العربية الكبرى بمساعدة
البريطانيين في 10 يونيو 1916 [165] في مكة
وانطلقت النيران على ثكنات الجيش العثماني بعد أن رفض العُثمانيون مطالب الشريف
الخاصة بإعلان العفو عن المتهمين السياسيين من العرب، قبل أن يشنقهم جمال باشا(هو من زعماء جمعية الإتحاد والترقي).[165] أعلن
الشريف حسين بمناسبة إشعال الثورة منشور ًا جاء فيه:
![]() |
إن الإتحاديين خرجوا على العهد
الأخوي بين الشعبين، رغم المعونة الصادقة التي بذلها العرب في ظل الخلافة،
وخرجوا عن الشريعة فبدَّلوا الأحكام، وشنقوا أحرار العرب جماعات وفُرادى،
وشرَّدوا أُسرهم ونفوها من أرضها، وصادروا الأموال، ولقد نصحنا فلم ينفع النصح،
وقد وفقنا الله لأخذ الإستقلال فضربنا على أيدي الإتحاديين، وإنفصلت بلادنا عن
المملكة العثمانية إنفصالًا تامًّا، وأعلنَّا إستقلالًا، لاتشوبه شائبة مداخلة
أجنبية، ولا تحكم خارجي، جاعلين الغاية نصر دين الإسلام، وإعلاء شأن المسلمين،
مستندين في كل أعمالنا على الأحكام وأصول القضاء.[165]
|
![]() |
ووقعت معركة مكة المكرمة بقيادة حسين بن علي الهاشمي شريف مكة المكرمة وانتهت باستسلام العثمانيين
في دمشق. بينما قاوم حاكم المدينة المنورةفخري باشا مدة سنتين وسبعة أشهر
في حصار
المدينة المنورة خلال الحرب العالمية الأولى.[166] تشير
التقديرات إلى أن القوات العربية المشاركة في الثورة بلغ عددهم 5,000 جندي.[167] ولكن هذا
الرقم ربما ينطبق على القوات النظامية الذين قاتلوا خلال حملة سيناء وفلسطين مع
قوة التجريدة المصرية بقيادة ألنبي، وليست القوات الغير نظامية تحت إشراف لورانس العربوفيصل الأول.
على طول الحدود من ليبيا الإيطالية ومصر البريطانية تم تحريض وتسليح
القبائل السنوسية على يد العثمانيين وشنوا حرب
عصابات على نطاق ضيق ضد قوات الحلفاء مما اضطر بالبريطانيون أن يرسلوا 12,000 جندي
للاعتراض على الحملة السنوسية، وقد سُحق
تمردهم تمامًا في منتصف عام 1918.[168]
بلغ إجمالي خسائر الحلفاء على الجبهات العثمانية 650,000 جندي، وبلغ إجمالي
عدد ضحايا العثمانيين 725,000 (القتلى 325،000 والجرحى 400,000).[169]
المشاركة الإيطالية
كانت إيطاليا متحالفة مع الإمبراطوريتان الألمانية والنمساوية المجرية منذ عام
1882 كجزء من الحلف الثلاثي ومع ذلك
فقد كان لها مخططات خاصة في الأراضي النمساوية المجرية في ترينتو، الساحل النمساوي، فيوم (رييكا) ودالماسيا. كان لدى روما اتفاق 1902 السري
مع فرنسا وهذا نجح في إبطال تحالفهما.[170] في بداية
القتال، رفضت إيطاليا الدخول في الحرب طوال عام 1914 رغم أنها كانت عضوا في
التحالف الثلاثي مع الإمبراطورية النمساورية المجرية والإمبراطورية الألمانية إلا
أنها قالت أن التحالف الثلاثي هو للدفاع وأن الإمبراطورية النمساوية المجرية هي
المعتدي هنا. بدأت الحكومة النمساوية المجرية المفاوضات لتأمين حياد الإيطالية
وذلك بتقديم مستعمرة تونس الفرنسية كمقابل لهذا التأمين. قام الحلفاء بتقديم عرض
مضاد من أجل أن تنضم إيطاليا إليهم، وهو تقديم ترينتينو ألتو أديجي، الساحل النمساوي وإقليم في
ساحل دالماسيا في حال انتصارهم على القوات
النمساوية المجرية. أصبح هذا العرض رسميًّا بعد توقيع اتفاقية لندن السرية[171] قبل أن
تُكشف من قبل الروس البلشفيينخلال الثورة البلشفية في نوفمبر
1917 بصحيفة إزفيستيا. بعد غزو
الحلفاء لتركيا في أبريل عام 1915 انضمت إيطاليا إلى الحلف الثلاثي وأعلنت الحرب
على النمسا والمجر في 23 مايو وبعد خمسة عشر شهرًا أعلنت إيطاليا الحرب على
ألمانيا.
تم تدبير دخول إيطاليا في الخفاء من قبل ثلاثة أفراد هم: رئيس الوزراء
الإيطالي أنتونيو سالاندرا، وزير
الخارجية سيدني سونينو وملك إيطاليا فيكتور عمانويل الثالث.[172]
«في 19 فبراير
1915 وعلى الرغم من المفاوضات المتزامنة مع النمسا أُرسل ساعي في سرية كبيرة إلى
لندن مع اقتراح أن إيطاليا مستعدة لأي عرض جيد من دول الوفاق... وساعد الاختيار
الأخير في شهر مارس بعد وصول أنباء عن انتصارات الروس في منطقةالكاربات. بدأ أنتونيو سالاندرا بالإعتقاد
في أن الانتصار لدول الوفاق يمكن رؤيته، وكان متوترًا من أن يكون قد تأخر جدًّا في
الحصول على حصة في الأرباح بعدما أصدر تعليمات لمبعوثه في لندن في أن يسقط بعض
المطالب والتوصل إلى اتفاق بسرعة...أُبرمت معاهدة لندن في 26 أبريل ملزمة إيطاليا
لبدء القتال في غضون شهر واحد. ليس حتى 4 مايو ألغى سالاندرا المعاهدة مع التحالف
الثلاثي في مذكرة خاصة إلى الموقعين عليه.[173]»
عسكريًّا تميزت إيطاليا بالتفوق العددي بجيشها ومع ذلك فقد فقدت هذه الميزة
بسبب التضاريس الصعبة في أرض المعركة والاستراتيجيات والتكتيتات الحربية
المستخدمة. كان المشيرلويجي كادورنا مؤيدًا
قويًّا للهجوم المباشر وحلم باقتحام هضبة سلوفينيا، الاستيلاء على ليوبليانا وتهديد فيينا. لم تُؤخذ خطته بعين الإعتبار
بسبب الصعوبات التي تواجهها هذه الخطة مثلجبال الألب الجوليانية وهضبة كارست والتغييرات التكنلوجية التي
تسببت في ظهور حرب الخنادق التي هي سلسلة من الهجمات الدامية المتوقفة والغير
حاسمة.[174]
في جبهة تورنتينو استغلت القوات النمساوية المجرية التضاريس الجبلية وفضلت وضع
المدافع فيها. بعد تراجع الاستراتيجية الأولية بقيت الجبهة على حالها دون تغيير
بينما تشارك القتال فوجين من أفواج الجيش النمساوي المجري مع القوات الإيطالية
طوال فترة الصيف. في ربيع عام 1916 قامت قوات المجر بهجوم مضاد على مقاطعة أسياغو الإيطالية باتجاه بادوفا وفيروناووقعت معركة أسياغو ولكنهم لم يحرزوا سوى القليل
من النجاح.[175]
في بداية عام 1915 شن الإيطاليون بقيادة لويجي كادورنا إحدى عشرة هجمة
في معركة إيسونزو بالقرب
من نهر سوكا في الشمال الشرقي من
مدينة ترييستي، وقد صدت جميع الهجمات من قبل
القوات النمساوية المجرية. في صيف 1916 وبعد معركة دوبردو استولى الإيطاليون على
مدينة غوريتسيا بعد هذا الفوز الصغير بقيت
الجبهة ثابتة لأكثر من سنة، على الرغم من عدة هجمات إيطالية تركزت على هضبتي
بانجسيك وكارست شرق غوريتسيا. في خريف 1917، بفضل تحسن الوضع على الجبهة الشرقية
حصلت القوات النمساوية المجرية على تعزيزات؛ وهي قوات الصدمة الألمانية ونخبة من
فيلق جبال الألب.
في 26 أكتوبر 1917 شنت قوى المركزهجومًا
ساحقًاوقد كان في مقدمتهم القوات الألمانية. حققوا انتصارًا في معركة كابوريتو (في
قرية كوباريد). انهزم الجيش الإيطالي وتراجع
أكثر من 100 كيلومتر (62 ميل) لإعادة التنظيم واستقرار الجبهة في معركة نهر بيافي. ومنذ أن تكبد
الجيش الإيطالي خسارة كبيرة في معركة كابوريتو قررت الحكومة الإيطالية بحمل سلاح
مايمسمى بـ (بالإنجليزية: 99 Boys) (بالإيطالية: Ragazzi del 99)/ وهذا يعني حمل السلاح لأي ذكر عمره 18 أو أكثر. في 1916 فشلت
القوات النمساوية المجرية في الاختراق عن طريق سلسلة من المعارك على نهر بيافي، وهُزمت أخيرًا في معركة فيتوريو فينيتو في شهر
أكتوبر من تلك السنة. في 1 نوفمبر دمرت البحرية الإيطالية
أسطول الجيش النمساوي المجري المتمركز في بولا، ومنعه من أن يُسلم إلى دولة السلوفينيين
والكروات والصرب الجديدة. في 3 نوفمبر احتل الإيطاليون ترييستي عن طريق البحر، وفي نفس
اليوم تم توقيع هدنة فيلا غوستي. في منتصف
نوفمبر 1918 احتل الإيطاليون الساحل النمساوي بأكمله
وسيطروا على جزء كبير من دالماسيا التي كانت مضمونة لإيطاليا في معاهدة لندن.[176] بحلول
نهاية الأعمال العدائية في نوفمبر 1918،[177] عين إنريكو ميلو نفسه محافظ إيطاليا
لدالماسيا.[177] وقبل ذلك
استسلمت القوات النمساوية المجرية في بداية نوفمبر 1918.[178][179]
المشاركة الرومانية
كانت رومانيا متحالفة مع دول المركز منذ عام 1882 ومع ذلك فقد أعلنت عن حيادها
بحجة أن الإمبراطورية النمساوية المجرية هي من أعلنت الحرب على صربيا وبالتالي فإن
رومانيا ليست تحت أي إلتزام رسمي بالمشاركة فيها. ولكن عندما وعدت دول الوفاق
رومانيا في حال إعلان الحرب على دول المركز بأن تحصل على أراضٍ في شرق المجر (ترانسيلفانيا وبانات) اللتان كانتا تحتويان على عدد
كبير من السكان الرومانيون، تخلت الحكومة الرومانية عن حيادها. في 27 أغسطس 1916
شن الجيش الروماني وبدعم محدود من الروس هجومًا ضد القوات النمساوية المجرية فيمعركة ترانسيلفانيا. كان الهجوم
الروماني ناجحًا وتسبب في تراجع القوات النمساوية المجرية في تراسيلفانيا ولكن
الهجوم المرتد من قوى المركز تسبب في تراجع القوات الرومانية الروسية للخلف.[180] كنتيجة
لذلك ففي معركة بوخارست احتلت قوى
المركز مدينة بوخارست في 6 ديسمبر 1916. مع أن
الحملة العسكرية الرومانية مُنيت بالفشل إلا أنه لم تستطع قوى المركز تحقيق هدفها
المتمثل في إزالة رومانيا من الحرب لأنها واصلت الحرب مع الحلفاء.[181] في عام
1917 استمر القتال في مولدوفا وهذا أدى إلى مأزق كبير له
تكلفته العالية عند سلطة القوى المركزية..[182][183]انسحب الروس من
الحرب في أواخر عام 1917 كنتيجة لالثورة البلشفية وهي أول
الدول خروجُا من الحرب وذلك بسبب تدهور جيوشها معنويًّا وإصابتها النكبات والمذابح
بسبب جهل القيادة ونقص الذخيرة وانتشار المجاعة في الريف، وعجز الحكومة القيصرية
ودولتي الوسط في إنقاذ هذا الوضع المتدهور. فبعد قيام الثورة رفض الجيش أن يقاوم
الثوار وهذا تسبب في إرغام القيصر على التنازل عن حكمه للبلاد وبذلك انتهى حكم
أسرة رومانوف.[184] بعد ذلك
أُجبرت رومانيا على توقيع هدنة مع دول المركز في 9 ديسمبر 1917.
في يناير 1918 سيطرت القوات الرومانية على محافظة بيسارابيا بعدما تخلت القوات الروسية
عنها. مع أنه تم توقيع معاهدة بين الحكومة الرومانية والحكومة الروسية البلشفية
بعد مفاوضات استمرت من 5–9 مارس 1918 على انسحاب القوات الرومانية من بيسارابيا في
غضون شهرين. إلا وبسبب الثورة البلشفية تدخلت رومانيا ظاهريًّا لتهدئة الوضع وبعد
فترة وجيزة أعلن البرلمان استقلالها عن روسيا واتَّحدت بيسارابيا بعد ثلاثة أشهر
مع مملكة رومانيا فأصبحت
رومانيا ذات سيادة على بيسارابيا.[185]
في 7 مايو 1918 وقَّعت رومانيا معاهدة سلام مع دول المركز عرفت باسم معاهدة بوخارست. في تلك
المعاهدة أُلزمت رومانيا على إنهاء الحرب مع دول المركز وتقديم تنازلات إقليمية
صغيرة إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية وإعطاء الأخيرة حق السيطرة على جبال كاربات، وتأجير حقول النفط الرومانية
لصالح ألمانيا لمدة 90 عامًا وإرجاع جنوب دوبروجا والتنازل عن شمال دوبروجا لبلغاريا
أما الباقي من المحافافظة فإنها ستكون تحت سيطرة دول المركز وبالمقابل لكل ذلك
فسيتم الإعتراف رسميًّا بسيادة رومانيا على بيسارابيا.[186] في أكتوبر
من نفس العام تخلَّى عن هذه المعاهدة حكومة ألكساندرو مارغيلومان بعدها
دخلت رومانيا الحرب مرة أخرى في 10 نوفمبر 1918. في اليوم التالي أُلغيت هذه
المعاهدة بسبب هدنة كومبيين.[187][188] وصل مجموع
عدد الوفيات الرومانية بين القوات العسكرية والمدنيين داخل الحدود من عام 1914 إلى
1918 إلى حوالي 748,000.[189]
شكرا لك على التعليق